كل من أعرض عن الله أو أعرض عن سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه بقدر معصيته وبقدر إعراضه يناله الذل، والخزي في الدنيا، ويناله العذاب يَوْمَ القِيَامَةِ، وهذه سنة الله التي لا تتخلف، يقول: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ)) [القصص:50] لا أحد أكثر ضلالاً من هذا الذي اتبع هواه بغير هدى من الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ)) [النجم:23] فنفهم من هذا أنهما طريقان: الطريق الأول: طريق الحق بأن يأتي رَسُول من عند الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالكتاب المبين والهدى والعلم. والطريق الآخر: طريق ضلال وأهواء وأقوال شياطين، ووساوس باطلة، وخطرات كاذبة، هذه هي القسمة الثنائية في هذا الشأن.
وفي الحديث الذي رواه الإمام أَحْمَد والتِّرْمِذِيّ عن أبي أمامة الباهلي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل} ثُمَّ تلا ((مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً))[الزخرف:58] فهذا الهدى الذي في الحديث، ما أعظم انطباقه عَلَى واقع الأمة الإسلامية التي كانت في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء الراشدين، لا جدال ولا مراء في الدين، بل كانوا كما علمهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، -وكما مر في الحديث الماضي- لما خرج وهم يتجادلون في بعض آيات الله، غضب غضباً شديداً، ونهاهم عن ذلك فأخذوا هذا الحكم، وتقررت لديهم هذه القاعدة، أن لا يجادلوا ولا يماروا في أمر جَاءَ به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل يستسلموا ويذعنوا ويوقنوا.

فلما انحرفت الأمة الإسلامية، وقعت الفتن فيما بينهم، وظهر أهل النفاق وأهل الزيغ من البلاد المفتوحة، ومن الأعراب وأمثالهم من الكائدين لهذا الدين، الذين دخلوا فيه زوراً وكذباً، فبثوا السموم في هذه الأمة، ومالت الأمة إِلَى الترف في الحياة الدنيا، وفتحت عليهم الأموال، وسبوا الجواري من أطراف الأرض، وامتلأت خزائنهم بما أنعم الله عليهم به.
ونتيجة هذا الانحراف ظهرت الفرق وظهر الجدال، وأعظم شيء كَانَ الجدال فيه هو: في صفات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وفي الأمور الغيبية التي لا يمكن للعقول أن تبلغها.